مذكرات محاسب: رحلة البداية في عالم المحاسبة المهنية
مذكرات محاسب: رحلة البداية في عالم المحاسبة المهنية
دليل شامل للخريجين الجدد في مجال المحاسبة
الخطوات الأولى في عالم المحاسبة المهنية تبدأ بالإعداد المبكر والتخطيط السليم
محتويات المقال
مقدمة
تتشابك الأفكار وتتزاحم التساؤلات في ذهن خريج المحاسبة الجديد عندما يقف على أعتاب الحياة العملية. فبعد سنوات من الدراسة النظرية، يجد نفسه أمام واقع مختلف تماماً، مليء بالتحديات والفرص في آن واحد. "من أين أبدأ؟" سؤال يتردد صداه في عقل كل خريج جديد، وتتبعه سلسلة من الاستفهامات المشروعة: هل أتجه نحو المكاتب المهنية المتخصصة في المحاسبة لاكتساب الخبرة العملية والسعي للحصول على لقب محاسب قانوني؟ أم أفضل الانضمام إلى إحدى الشركات التي تقدم راتباً أعلى، رغم أن الاستفادة المهنية قد تكون أقل؟
وتمتد الأسئلة لتشمل مسارات التطوير المهني: ما هي الدورات التدريبية التي يجب أن أحصل عليها؟ وأين أجدها؟ وكيف ستساهم في تعزيز مساري المهني؟ هذه التساؤلات وغيرها تشكل هاجساً مستمراً لخريجي كليات التجارة عند مواجهتهم لسوق العمل.
نظرة إلى الوراء: أهمية الإعداد المبكر
لكن دعونا نتوقف قليلاً ونعود بالزمن إلى سنوات الدراسة الجامعية. ماذا فعلت خلال تلك الفترة الثمينة؟ هل كنت من أولئك الذين يؤجلون كل ما يتعلق بالحياة المهنية إلى ما بعد التخرج؟ أم كنت تستثمر الإجازات الصيفية في تنمية مهاراتك وتطوير ذاتك؟
للأسف، يقع الكثيرون في فخ النظر إلى فترة الإجازات كوقت للراحة والاسترخاء فقط، متناسين أنها فرصة ذهبية لبناء الأساس المتين للمستقبل المهني. فالحياة العملية لا تبدأ بعد التخرج، بل منذ اليوم الأول في الجامعة. فالجامعة هي الحلقة الوسطى بين مرحلة الدراسة وسوق العمل، وهي نقطة الانطلاق الحقيقية لأي تفكير جاد في تطوير الذات.
لكن المشكلة التي يواجهها معظمنا هي التسويف المستمر: "سأفعل ذلك بعد الامتحانات"، ثم "الإجازة للراحة من عام دراسي طويل"، وهكذا حتى ينتهي المشوار الجامعي، ويبدأ الخريج في إجراءات التجنيد (للشباب)، مؤجلاً كل مشاريعه المهنية إلى أجل غير مسمى.
وهنا تكمن المشكلة الحقيقية: الوقت الذي يضيع دون اكتساب معرفة أو مهارة هو وقت لا يمكن استعادته أبداً. فكل يوم يمر دون تطوير ذاتي هو خسارة حقيقية في رصيد مستقبلك المهني.
جرد شامل للمهارات: نقطة البداية الصحيحة
والآن، ماذا يمكن للخريج الجديد أن يفعل وهو يقف على أعتاب الحياة المهنية؟ الإجابة تكمن في إجراء ما يمكن تسميته "جرداً شاملاً" للمهارات والقدرات والخبرات. وبلغة المحاسبة التي نفهمها جيداً، يمكننا القول إنه يجب عليك إعداد "ميزانية" لرأس مالك المعرفي والمهاري: ماذا تجيد؟ ما هي نقاط قوتك؟ وما الذي ينقصك لتكون جاهزاً للانطلاق؟
فليست القضية الأساسية هي "من أين تبدأ؟"، بل "إلى أين ستصل؟". فأي وظيفة، مهما كانت بسيطة، تمنحك خبرة ومهارة جديدة، بالإضافة إلى العائد المادي الذي قد يختلف تقييمه من شخص لآخر. فما يراه البعض غير مجزٍ، قد يكون كافياً ومرضياً للبعض الآخر.
ثلاثية الفوائد في أي عمل
يمكن القول بثقة إن أي عمل، بغض النظر عن طبيعته أو مجاله، يمنحك ثلاث فوائد رئيسية:
أولاً: المهارات المتخصصة
كل مجال عمل له مهاراته الخاصة التي ستكتسبها بالممارسة اليومية. فالعمل في شركة تجارية يختلف عن العمل في مصنع، والعمل في القطاع الحكومي يختلف عن القطاع الخاص. وكل هذه التجارب تضيف إلى رصيدك المهني وتوسع آفاقك.
ثانياً: مهارات التعامل مع الآخرين
في أي بيئة عمل، ستتعامل مع مديرين وزملاء وعملاء وأشخاص متنوعين. وهذا التفاعل اليومي يصقل مهاراتك في التواصل والتعامل مع مختلف الشخصيات. فمهما كانت وظيفتك أو موقعك، فأنت بحاجة إلى تنمية قدراتك على التواصل الفعال، وهذا ما يمنحه لك عملك الحالي.
ثالثاً: مهارات التعامل مع الحياة
العمل يمنحك فرصة ثمينة للتعامل مع الحياة بشكل عملي: تدبير شؤونك المالية، إدارة مصروفاتك، تنظيم وقتك، والانخراط في المجتمع بشكل فاعل. وهذه المهارات الحياتية لا تقل أهمية عن المهارات المهنية المتخصصة.
البدء الآن أم الانتظار؟
قد تتساءل: هل أبدأ بأي عمل متاح الآن، أم أنتظر حتى أجد الفرصة التي تناسبني تماماً؟ الحقيقة أن هذا القرار يعتمد على عدة عوامل: قدرتك على البقاء دون عمل لفترة، حجم المسؤوليات العائلية الملقاة على عاتقك، ومستوى الدعم (المادي والمعنوي) الذي تتلقاه من عائلتك.
لكن تذكر دائماً أن أي عمل يمكن أن يعلمك الكثير، وأن الطموح البشري لا حدود له. المهم هو أن تبدأ، أن تخطو الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل. فعندما تتحرك، ولو خطوة واحدة، فأنت تقترب من هدفك. وعندما تأخذ دورات تدريبية وتبدأ في تطوير ذاتك، لا يهم من أين تبدأ، المهم أن تتخذ القرار وتضع قدميك على بداية الطريق.
فالتسويف والتأجيل لن يقدما لك أي فائدة، بل سيزيدان من الفجوة بينك وبين أهدافك.
مصادر التعلم المتاحة
ربما تسأل نفسك: "من أين يمكنني أن أتعلم؟" ولنفترض أنك تحمست للبداية وتريد أن تتعلم وتطور ذاتك، فإن الخبر السار هو أننا نعيش في عصر وفرة المعلومات. نحن أجيال محظوظة تمتلك وسائل تعليمية لم تكن متاحة للأجيال السابقة.
المهم هو أن تقرر وتختار أن تتعلم، وأن تدرك أن التعليم عملية مستمرة لا تنتهي أبداً. فعندما تظن أنك تعلمت كل شيء، فاعلم أنك في الحقيقة لم تتعلم شيئاً بعد. فالتطوير والتغيير مستمران، والمعرفة تتجدد كل يوم.
خاتمة
إن رحلة المحاسب المهنية تبدأ من لحظة دخوله الجامعة، وليس من يوم تخرجه. والنجاح في هذه الرحلة يعتمد على الاستعداد المبكر، والتخطيط السليم، والتطوير المستمر للذات. فلا تنتظر حتى تنتهي من دراستك لتبدأ التفكير في مستقبلك المهني، بل ابدأ من اليوم، واستثمر كل لحظة في تطوير مهاراتك ومعارفك.
وتذكر دائماً أن الخطوة الأولى، مهما كانت صغيرة، هي بداية الطريق نحو النجاح. فلا تخش البداية، ولا تتردد في خوض التجارب المختلفة، فكل تجربة ستضيف إلى رصيدك وتقربك من أهدافك.
وإلى هنا تنتهي الحلقة الأولى من "مذكرات محاسب"، على أمل أن تكون قد قدمت لك إضاءات مفيدة في بداية رحلتك المهنية. وترقبوا الحلقة الثانية التي ستتناول جوانب أخرى من الحياة المهنية للمحاسب.
أضف تعليقاً: