مقارنة تحليلية بين قانون العمل الجديد رقم ١٤ لسنة ٢٠٢٥ وقانون العمل القديم رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣
مقارنة تحليلية بين قانون العمل الجديد رقم ١٤ لسنة ٢٠٢٥ وقانون العمل القديم رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣
يمثل إصدار قانون العمل الجديد رقم ١٤ لسنة ٢٠٢٥ خطوة تشريعية هامة تهدف إلى مواكبة التطورات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة، ومعالجة التحديات التي واجهت سوق العمل المصري في ظل القانون السابق رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣. تأتي هذه المقارنة التحليلية لتسليط الضوء على أبرز الفروقات الجوهرية بين القانونين، واستكشاف أوجه التحديث والتطوير التي استهدفها المشرع في القانون الجديد. سنقوم بمراجعة شاملة للمواد الأساسية في كلا القانونين، مع التركيز على التغييرات في التعريفات، الأحكام العامة، حقوق وواجبات العمال وأصحاب العمل، آليات التشغيل والتدريب، تنظيم علاقات العمل، وتسوية المنازعات العمالية. تهدف هذه المقارنة إلى تقديم فهم أعمق للتطور التشريعي في مجال العمل، وتقييم مدى استجابة القانون الجديد لمتطلبات المرحلة الحالية والمستقبلية لسوق العمل في مصر، مع إبراز الإيجابيات والتحديات المحتملة في تطبيق أحكامه.
مقارنة في التعريفات والأحكام العامة: توسيع نطاق الحماية وتوضيح المفاهيم
عند مقارنة الباب الأول الخاص بالتعريفات والأحكام العامة في قانون العمل الجديد رقم ١٤ لسنة ٢٠٢٥ مع نظيره في القانون القديم رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣، نلاحظ عدة فروقات جوهرية تعكس تطوراً في المفاهیم وتوسعاً في نطاق الحماية. القانون الجديد استحدث تعريفات لم تكن موجودة بشكل صريح في القانون القديم، مثل "التحرش" و"التنمر" و"العامل في القطاع غير الرسمي" و"العمل عن بعد" و"منصات العمل الرقمية"، وهو ما يعكس استجابة المشرع للمستجدات في سوق العمل والتحديات الجديدة التي تواجه العمال. على سبيل المثال، تعريف "التحرش" و"التنمر" بشكل مفصل في المادة (١) من القانون الجديد، وتجريم هذه الأفعال صراحة في المادة (٤) من الأحكام العامة، يمثل إضافة نوعية لتعزيز بيئة عمل آمنة وكريمة، وهو ما لم يكن بنفس الوضوح والتفصيل في القانون القديم الذي كان يتناول التمييز بشكل عام دون تخصيص نصوص واضحة لمثل هذه الممارسات.
فيما يتعلق بتعريف "الأجر"، نجد أن القانون الجديد في المادة (١) قدم تعريفاً أكثر شمولاً وتفصيلاً لمكونات الأجر، حيث ذكر صراحة "العمولة" و"النسبة المئوية" و"العلاوات أياً كان سبب استحقاقها أو نوعها" و"المكافأة" و"البدلات" و"نصيب العامل في الأرباح" و"الوهبة" و"مقابل الخدمة" و"المزايا العينية" كجزء من الأجر. بينما كان القانون القديم في المادة (١) يعرف الأجر بأنه "كل ما يحصل عليه العامل لقاء عمله، ثابتاً كان أو متغيراً، نقداً أو عيناً" ثم يعدد بعض الأمثلة. التوسع في تعريف مكونات الأجر في القانون الجديد يهدف إلى حسم أي خلاف قد ينشأ حول احتساب مستحقات العامل، ويضمن إدراج كافة العناصر التي يحصل عليها العامل ضمن مفهوم الأجر الخاضع للحماية القانونية.
أما بالنسبة للأحكام العامة، فقد حافظ القانون الجديد على المبادئ الأساسية التي أرساها القانون القديم، مثل حظر التمييز (المادة ٥ جديد مقابل المادة ٣٥ قديم)، وبطلان أي شرط يخالف أحكام القانون إذا انتقص من حقوق العامل (المادة ٦ جديد مقابل المادة ٥ قديم)، وإعفاء دعاوى العمال من الرسوم القضائية (المادة ٧ جديد مقابل المادة ٦ قديم). ومع ذلك، أضاف القانون الجديد بعض الأحكام الهامة، مثل التأكيد في المادة (٤) على حظر تشغيل العامل سخرة أو جبراً، وتحديد لائحة تنظيم العمل والجزاءات بالمنشأة للجزاءات التأديبية المقررة لمخالفات التحرش والتنمر والعنف. كما أن المادة (٥) من القانون الجديد، المتعلقة بحظر التمييز، جاءت أكثر تفصيلاً في ذكر أسباب التمييز المحظورة، وأضافت "الإعاقة" و"المستوى الاجتماعي" و"الانتماء النقابي" و"الجغرافي" إلى الأسباب التي كانت مذكورة في القانون القديم، مما يعزز من نطاق الحماية ضد التمييز.
فيما يخص العلاوة الدورية، نصت المادة (١٢) من القانون الجديد على استحقاق العاملين لعلاوة سنوية دورية لا تقل عن (٣٪) من الأجر التأميني، بينما كانت المادة (٣) من مواد إصدار القانون القديم تنص على علاوة دورية لا تقل عن (٧٪) من الأجر الأساسي الذي تحسب على أساسه اشتراكات التأمينات الاجتماعية. هذا التغيير في نسبة العلاوة وطريقة حسابها (من الأجر التأميني بدلاً من الأجر الأساسي) قد يكون له تأثير على قيمة الزيادة السنوية التي يحصل عليها العامل، ويتطلب تحليلاً دقيقاً لتأثيره الفعلي على مستويات الأجور. كما أن القانون الجديد في المادة (١٢) أجاز للمجلس القومي للأجور البت في تخفيض العلاوة أو الإعفاء منها في حالة تعرض المنشأة لظروف اقتصادية يتعذر معها صرفها، وهو ما يمثل مرونة لصاحب العمل قد تحتاج إلى ضوابط دقيقة لضمان عدم التعسف في استخدامها.
بشكل عام، يمكن القول إن القانون الجديد سعى إلى تحديث وتطوير التعريفات والأحكام العامة لتكون أكثر استجابة للمتغيرات الحديثة، وتوسيع نطاق الحماية ليشمل جوانب لم تكن مغطاة بشكل كافٍ في القانون القديم، مع الحفاظ على المكتسبات الأساسية للعمال. ومع ذلك، فإن بعض التعديلات، مثل تلك المتعلقة بالعلاوة الدورية، قد تحتاج إلى تقييم دقيق لأثرها العملي على حقوق العمال.
مقارنة في عقد العمل وحقوق والتزامات الطرفين: تعزيز الضمانات وتحديد المسؤوليات
عند فحص الأحكام المتعلقة بعقد العمل وحقوق والتزامات كل من العامل وصاحب العمل في قانون العمل الجديد رقم ١٤ لسنة ٢٠٢٥ مقارنة بالقانون القديم رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣، نجد أن القانون الجديد قد أولى اهتماماً خاصاً لتعزيز ضمانات العامل وتوضيح مسؤوليات طرفي علاقة العمل بشكل أكثر دقة. من أبرز التطورات في هذا السياق هو ما يتعلق بمدة عقد العمل وإجراءات إنهائه، وكذلك الحقوق المتعلقة بالإجازات وساعات العمل.
فيما يخص شكل عقد العمل، أكد القانون الجديد في المادة (٣٠) على ضرورة أن يكون عقد العمل مكتوباً باللغة العربية من ثلاث نسخ، يحتفظ كل طرف بنسخة وتودع الثالثة لدى الجهة الإدارية المختصة. وإن لم يكن العقد مكتوباً، جاز للعامل وحده إثبات علاقة العمل وحقوقه الناشئة عنها بكافة طرق الإثبات. هذا الحكم يتشابه مع ما ورد في المادة (٣٢) من القانون القديم، لكن القانون الجديد شدد على ضرورة إيداع نسخة لدى الجهة الإدارية، مما يوفر آلية إضافية لتوثيق العلاقة التعاقدية وحماية حقوق العامل. كما استحدث القانون الجديد في المادة (٣١) أحكاماً خاصة بعقد العمل عن بعد، محدداً ضوابط تنظيمه وحقوق والتزامات طرفيه، وهو ما لم يكن موجوداً في القانون القديم، ويعكس مواكبة التشريع لأنماط العمل الحديثة.
بالنسبة لفترة الاختبار، حددت المادة (٣٢) من القانون الجديد مدة الاختبار بثلاثة أشهر كحد أقصى، ولا يجوز تعيين العامل تحت الاختبار أكثر من مرة واحدة لدى صاحب عمل واحد. وأجازت إنهاء العقد خلال فترة الاختبار دون إخطار ودون مكافأة إذا ثبت عدم صلاحية العامل، بشرط إخطار الجهة الإدارية المختصة. القانون القديم في المادة (٣٣) كان ينص على نفس مدة الاختبار، لكن القانون الجديد أضاف شرط إخطار الجهة الإدارية عند الإنهاء خلال فترة الاختبار، مما يوفر قدراً من الرقابة على هذا الإجراء.
فيما يتعلق بالإجازات، شهد القانون الجديد بعض التعديلات الهامة. فمثلاً، المادة (٨٥) من القانون الجديد رفعت مدة الإجازة السنوية إلى ٢١ يوماً بأجر كامل لمن أمضى في الخدمة سنة كاملة، تزاد إلى ٣٠ يوماً متى أمضى العامل في الخدمة عشر سنوات لدى صاحب عمل أو أكثر (كانت في القانون القديم لدى صاحب عمل واحد)، أو لمن تجاوز سنه الخمسين. كما أضاف القانون الجديد إجازة إضافية مدتها سبعة أيام لذوي الإعاقة والأقزام. القانون القديم في المادة (٤٧) كان ينص على ٢١ يوماً بعد سنة، و٣٠ يوماً بعد عشر سنوات خدمة لدى صاحب عمل واحد أو لمن تجاوز الخمسين. التعديل الخاص باحتساب العشر سنوات لدى صاحب عمل أو أكثر يمثل ميزة إضافية للعامل. كما استحدث القانون الجديد في المادة (٨٨) "إجازة دراسية" بأجر كامل للعامل المنتسب للدراسة، وهو ما لم يكن منصوصاً عليه بهذه الصورة في القانون القديم.
فيما يخص ساعات العمل، حافظ القانون الجديد في المادة (٧٧) على الحد الأقصى لساعات العمل الفعلية بثماني ساعات في اليوم أو ٤٨ ساعة في الأسبوع، مع عدم احتساب الفترات المخصصة لتناول الطعام والراحة. وألزم بتخفيض ساعات العمل الفعلية ساعة واحدة على الأقل لبعض فئات العمال وفي بعض الصناعات والأعمال التي يحددها قرار من الوزير المختص. هذه الأحكام تتشابه إلى حد كبير مع ما ورد في المواد (٨٠) و (٨١) من القانون القديم. ومع ذلك، فإن القانون الجديد في المادة (٧٩) نظم ساعات العمل الإضافية بشكل أكثر تفصيلاً، محدداً استحقاق العامل لأجر إضافي يوازي أجره العادي مضافاً إليه (٣٥٪) عن ساعات العمل النهارية الإضافية، و(٧٠٪) عن ساعات العمل الليلية الإضافية، و(١٠٠٪) عن ساعات العمل في أيام الراحة الأسبوعية والعطلات الرسمية. القانون القديم في المادة (٨٥) كان ينص على نفس النسب تقريباً، لكن القانون الجديد جاء أكثر وضوحاً في التفصيل.
أما بالنسبة لإنهاء عقد العمل، فقد سعى القانون الجديد إلى وضع ضوابط أكثر صرامة لحماية العامل من الفصل التعسفي. المادة (١١٧) من القانون الجديد حددت الحالات التي يجوز فيها لصاحب العمل إنهاء العقد دون إخطار أو مكافأة أو تعويض، وهي حالات محددة تتعلق بأخطاء جسيمة يرتكبها العامل. وأوجبت المادة (١١٨) أن يتم عرض أمر العامل الذي يرتكب خطأ جسيماً على المحكمة العمالية المختصة للنظر في فصله، وهو ما يمثل ضمانة هامة للعامل لم تكن موجودة بهذه الصورة في القانون القديم. القانون القديم في المادة (٦٩) كان يعدد حالات الفصل دون إخطار، لكن آلية العرض على المحكمة العمالية قبل الفصل تعتبر تطوراً هاماً. كما أن القانون الجديد في المواد (١٢٨) وما بعدها نظم الإغلاق الكلي أو الجزئي للمنشأة أو تقليص حجمها أو نشاطها، واشترط موافقة لجنة تشكل لهذا الغرض، مع تحديد حقوق العمال في هذه الحالة، وهو ما يهدف إلى حماية العمال من الآثار السلبية لهذه القرارات.
بصفة عامة، يظهر من مقارنة أحكام عقد العمل وحقوق والتزامات الطرفين أن القانون الجديد قد سعى إلى تعزيز الضمانات الممنوحة للعامل، وتوضيح الإجراءات المتعلقة بإنشاء وإنهاء علاقة العمل، ومواكبة أنماط العمل الحديثة، مع وضع آليات تهدف إلى تحقيق قدر أكبر من التوازن بين مصالح طرفي علاقة العمل.
مقارنة في التدريب والتشغيل وتنظيم عمل بعض الفئات: تحديث الآليات وتوسيع نطاق الرعاية
يتناول كل من قانون العمل الجديد رقم ١٤ لسنة ٢٠٢٥ وقانون العمل القديم رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣ مسائل التدريب المهني وتشغيل العمال، إلا أن القانون الجديد جاء بتحديثات جوهرية تهدف إلى تطوير آليات التدريب وربطها باحتياجات سوق العمل المتغيرة، مع إيلاء اهتمام خاص لتشغيل فئات معينة كالعمالة غير المنتظمة والأشخاص ذوي الإعاقة.
فيما يتعلق بالتدريب المهني، أنشأ القانون الجديد في المادة (١٨) "المجلس الأعلى لتنمية مهارات الموارد البشرية" برئاسة الوزير المختص، ويضم ممثلين عن مختلف الوزارات والجهات المعنية ومنظمات أصحاب الأعمال والعمال. يتولى هذا المجلس وضع السياسات العامة لتنمية المهارات وربط التعليم والتدريب باحتياجات سوق العمل. كما أجازت المادة (١٩) تشكيل مجالس تنفيذية على مستوى المحافظات. في المقابل، كان القانون القديم في المواد (٧) إلى (١٠) ينص على إنشاء "لجنة عليا لتخطيط واستخدام القوى العاملة في الداخل والخارج" ولجان فرعية، لكن صلاحيات وتركيبة المجلس الأعلى في القانون الجديد تبدو أكثر شمولاً وتركيزاً على تنمية المهارات بشكل استراتيجي. كما أن القانون الجديد في المادة (١٧) أكد على دور الجهة الإدارية في إعداد "التصنيف المهني الوطني" وتحديثه وفقاً لمعايير الجودة العالمية والتغيرات التكنولوجية، وهو ما يعزز من مواءمة مخرجات التدريب لمتطلبات السوق.
أما بشأن تشغيل العمال، فقد نظم القانون الجديد في المواد (٣٦) وما بعدها عمل وكالات التشغيل الخاصة، واشترط الحصول على ترخيص لمزاولة هذا النشاط، وحدد التزاماتها. هذه الأحكام تتشابه في مجملها مع ما ورد في القانون القديم (المواد ١٧ إلى ٢٠)، لكن القانون الجديد قد يكون قد أضاف بعض الضوابط لضمان حماية العمال الذين يتم تشغيلهم عن طريق هذه الوكالات. ومن الإضافات الهامة في القانون الجديد هو ما ورد في الباب الثالث من الكتاب الثاني (المواد ٥٢ وما بعدها) بشأن "تشغيل العمالة غير المنتظمة". حيث ألزم القانون الجديد بإنشاء صندوق قومي لرعاية وتشغيل العمالة غير المنتظمة، وتحديد آليات لتسجيل هذه الفئة وتوفير الحماية الاجتماعية والصحية والتدريبية لها. القانون القديم لم يكن يتضمن باباً خاصاً أو صندوقاً مستقلاً بهذا الشكل لرعاية العمالة غير المنتظمة، وإن كان يشير إليها في بعض المواضع. هذا التوجه في القانون الجديد يعكس اهتماماً متزايداً بدمج هذه الفئة الهامة من العمالة في الاقتصاد الرسمي وتوفير الحماية اللازمة لها.
وفيما يتعلق بتشغيل النساء، حافظ القانون الجديد (المواد ٨٠ إلى ٨٤) على العديد من الحقوق التي كانت مقررة في القانون القديم (المواد ٨٨ إلى ٩٧)، مثل حظر تشغيلهن في الأعمال الخطرة أو الضارة، وحقهن في إجازة وضع مدفوعة الأجر، وتوفير دار حضانة في المنشآت التي تستخدم عدداً معيناً من العاملات. ومع ذلك، قد يكون القانون الجديد قد أضاف بعض التيسيرات أو الضمانات الإضافية، مثل التأكيد على المساواة في الأجر عن العمل المتساوي القيمة. كما أن القانون الجديد في المادة (٥) المتعلقة بحظر التمييز، أشار صراحة إلى أن الميزات أو الحماية المقررة للمرأة لا تعتبر تمييزاً محظوراً، وهو ما يعزز من الإطار القانوني لحماية المرأة العاملة.
أما بالنسبة لتشغيل الأطفال، فقد شدد القانون الجديد (المواد ٩٢ إلى ١٠٠) على حظر تشغيل الأطفال قبل بلوغهم سن إتمام التعليم الأساسي أو ١٥ سنة أيهما أكبر، وحظر تشغيلهم في الأعمال الخطرة أو المرهقة، وحدد ساعات عملهم وفترات راحتهم. هذه الأحكام تتوافق مع المعايير الدولية وتتشابه مع ما ورد في القانون القديم (المواد ٩٨ إلى ١٠٣). القانون الجديد أكد أيضاً على ضرورة إجراء فحص طبي دوري للأطفال العاملين، وتوفير الظروف المناسبة لعملهم.
وفيما يخص تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة والأقزام، ألزم القانون الجديد في المادة (٤٧) صاحب العمل الذي يستخدم ٢٠ عاملاً فأكثر بتشغيل نسبة لا تقل عن ٥٪ من مجموع العاملين لديه من الأشخاص ذوي الإعاقة المسجلين لدى الجهة الإدارية، مع توفير الظروف المناسبة لعملهم. كما ألزمهم بتوفير سجل خاص بأسماء الأشخاص ذوي الإعاقة والأقزام الذين يعملون لديه. القانون القديم في المادة (١١) كان ينص على نسبة ٥٪ أيضاً، لكن القانون الجديد جاء أكثر تفصيلاً في تحديد التزامات صاحب العمل تجاه هذه الفئة، وأكد على ضرورة دمجهم في سوق العمل وتوفير الحماية اللازمة لهم.
بشكل عام، يظهر أن القانون الجديد قد سعى إلى تحديث آليات التدريب والتشغيل، وتوسيع نطاق الرعاية ليشمل فئات كانت تحتاج إلى مزيد من الاهتمام مثل العمالة غير المنتظمة، مع تعزيز الحماية المقررة للنساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة، وربط سياسات التدريب والتشغيل بالاحتياجات الفعلية لسوق العمل والتطورات التكنولوجية.
مقارنة في علاقات العمل الجماعية وتسوية المنازعات: تعزيز الحوار وتطوير آليات التسوية
يولي كل من قانون العمل الجديد رقم ١٤ لسنة ٢٠٢٥ وقانون العمل القديم رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣ أهمية لعلاقات العمل الجماعية وآليات تسوية المنازعات العمالية، باعتبارها ركيزة أساسية لتحقيق الاستقرار في بيئة العمل. ومع ذلك، أدخل القانون الجديد تعديلات وتطورات تهدف إلى تعزيز الحوار الاجتماعي وتطوير آليات تسوية المنازعات لتكون أكثر فاعلية وسرعة.
فيما يتعلق بالمفاوضة الجماعية، نظم القانون الجديد في المواد (١٥٠) وما بعدها إجراءات المفاوضة وشروطها ومستوياتها (على مستوى المنشأة، أو قطاع معين، أو على المستوى القومي). وأكد على أهمية دور المنظمات النقابية في تمثيل العمال في هذه المفاوضات. القانون القديم (المواد ١٤٥ إلى ١٥٦) كان يتناول أيضاً المفاوضة الجماعية، لكن القانون الجديد قد يكون قد أضاف بعض التفاصيل لتعزيز دورها وفاعليتها، مثل التأكيد على مبادئ حسن النية والشفافية في المفاوضات. كما أن تعريف "المفاوضة الجماعية" في المادة (١) من القانون الجديد جاء أكثر تحديداً، حيث عرفها بأنها "الحوار الذي يجرى بين صاحب عمل أو منظمة أصحاب أعمال أو أكثر من جهة، وبين منظمة نقابية عمالية، أو أكثر من جهة أخرى بغرض التوافق لتحقيق مصالح الطرفين".
أما بالنسبة لاتفاقيات العمل الجماعية، فقد نظم القانون الجديد في المواد (١٥٨) وما بعدها شروط إبرامها وتسجيلها ونفاذها. وأكد على أن أحكام اتفاقية العمل الجماعية تكون ملزمة لطرفيها ولخلفهما العام والخاص، وأن أي شرط في عقد العمل الفردي يخالف أحكام الاتفاقية يعتبر باطلاً ما لم يكن أكثر فائدة للعامل. هذه الأحكام تتشابه في جوهرها مع ما ورد في القانون القديم (المواد ١٥٧ إلى ١٦٣)، لكن القانون الجديد قد يكون قد أضاف بعض الضوابط لضمان تنفيذ هذه الاتفاقيات بشكل فعال.
وفيما يخص تسوية منازعات العمل الجماعية، فقد طور القانون الجديد آليات التسوية لتكون أكثر تدرجاً وفاعلية. تبدأ هذه الآليات بالتوفيق عن طريق الجهة الإدارية المختصة (المادة ١٧١ جديد)، ثم الوساطة (المادة ١٧٤ جديد)، ثم التحكيم (المادة ١٧٧ جديد). القانون القديم (المواد ١٦٤ إلى ١٩١) كان يتضمن أيضاً آليات للتوفيق والوساطة والتحكيم، لكن القانون الجديد قد يكون قد أدخل بعض التعديلات على إجراءات هذه الآليات ومددها الزمنية بهدف تسريع عملية التسوية. على سبيل المثال، القانون الجديد في المادة (١) عرف "التوفيق" و"الوساطة" و"التحكيم" بشكل واضح، مما يساعد في فهم طبيعة كل آلية. كما أن القانون الجديد في المادة (١٨٠) نظم "الإضراب السلمي عن العمل" كحق للعمال، وحدد ضوابط وإجراءات ممارسته، وهو ما كان منظماً أيضاً في القانون القديم (المواد ١٩٢ إلى ١٩٥)، لكن القانون الجديد قد يكون قد أضاف بعض التفاصيل لضمان ممارسة هذا الحق بشكل سلمي ومنظم دون الإضرار بمصالح المنشأة أو الاقتصاد الوطني.
ومن الجوانب الهامة التي تناولها القانون الجديد هو إنشاء "المحاكم العمالية المتخصصة" (المادة ٢٠٨ وما بعدها). هذه المحاكم تختص بنظر جميع الدعاوى الناشئة عن علاقات العمل الفردية والجماعية، وتهدف إلى سرعة الفصل في هذه الدعاوى وتوفير قضاء متخصص في شؤون العمل. القانون القديم لم يكن ينص على إنشاء محاكم عمالية متخصصة بهذا الشكل، وكانت منازعات العمل تنظر أمام الدوائر العمالية بالمحاكم الابتدائية. إنشاء محاكم متخصصة يعتبر تطوراً هاماً يهدف إلى تحقيق العدالة الناجزة في منازعات العمل.
كما أن القانون الجديد في المادة (٢٠٧) أنشأ "المجلس الأعلى للحوار المجتمعي في مجال العمل" برئاسة رئيس مجلس الوزراء، ويضم ممثلين عن الحكومة وأصحاب الأعمال والعمال. يتولى هذا المجلس رسم السياسات العامة للحوار بين الشركاء الاجتماعيين، واقتراح التشريعات والقرارات المتعلقة بالعمل. هذا المجلس يمثل آلية مؤسسية لتعزيز الحوار الاجتماعي على المستوى الوطني، وهو ما لم يكن موجوداً بهذه الصورة في القانون القديم.
بشكل عام، يمكن القول إن القانون الجديد قد سعى إلى تعزيز آليات الحوار الاجتماعي وتطوير وسائل تسوية منازعات العمل الجماعية، مع التركيز على سرعة وفاعلية هذه الآليات، وإنشاء محاكم عمالية متخصصة لضمان تحقيق العدالة الناجزة. هذه التطورات تهدف إلى بناء علاقات عمل متوازنة ومستقرة، وتحقيق السلم الاجتماعي في قطاع العمل.
في ختام هذه المقارنة التحليلية بين قانون العمل الجديد رقم ١٤ لسنة ٢٠٢٥ وقانون العمل القديم رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣، يتضح أن القانون الجديد قد جاء بمجموعة من التحديثات والتطورات الجوهرية التي تهدف إلى مواكبة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، وتعزيز الحماية المقررة للعمال، وتحقيق التوازن بين مصالح طرفي علاقة العمل، وتطوير آليات التدريب والتشغيل وتسوية المنازعات. شملت هذه التطورات استحداث تعريفات جديدة، وتوسيع نطاق الحماية ضد التمييز والتحرش والتنمر، وتنظيم أنماط العمل الحديثة مثل العمل عن بعد، وتعزيز ضمانات عقد العمل، وتطوير آليات التدريب المهني وربطها باحتياجات سوق العمل، وإيلاء اهتمام خاص للعمالة غير المنتظمة، وإنشاء محاكم عمالية متخصصة ومجلس أعلى للحوار المجتمعي.
ومع ذلك، فإن بعض الأحكام الجديدة، مثل تلك المتعلقة بنسبة العلاوة الدورية أو بعض جوانب إنهاء عقد العمل، قد تحتاج إلى تقييم دقيق لأثرها العملي على حقوق العمال وأصحاب العمل. كما أن نجاح القانون الجديد في تحقيق أهدافه سيعتمد بشكل كبير على مدى فعالية آليات تطبيقه، ووعي طرفي علاقة العمل بأحكامه، ودور الجهات الإدارية والقضائية في ضمان تنفيذه بشكل عادل ومتوازن. يبقى أن نرى كيف ستترجم هذه النصوص القانونية إلى واقع عملي يخدم مصلحة الاقتصاد الوطني ويحقق العدالة الاجتماعية لجميع العاملين في مصر.
أضف تعليقاً: