الحاضر يصنع المستقبل
مقدمة: إذا أردت أن تعرف أين ستكون غداً فانظر أين أنت اليوم فالحاضر يصنع المستقبل
في رحلة الحياة المتسارعة، غالباً ما نجد أنفسنا منشغلين بالتطلع إلى المستقبل، نحلم بما سنكون عليه غداً، ونتساءل عن المصير الذي ينتظرنا في نهاية المطاف. لكن الحقيقة التي يغفل عنها الكثيرون هي أن المستقبل ليس كياناً منفصلاً عن الحاضر، بل هو امتداد طبيعي له، وانعكاس مباشر لما نقوم به اليوم.
"إذا أردت أن تعرف أين ستكون غداً فانظر أين أنت اليوم" - هذه العبارة البسيطة في مبناها، العميقة في معناها، تلخص فلسفة حياتية كاملة تؤكد على أن الحاضر هو البذرة التي ستنبت في تربة المستقبل. فكل فكرة نفكر بها، وكل قرار نتخذه، وكل فعل نقوم به في لحظتنا الراهنة، يترك بصمته على مسار حياتنا المستقبلية.
عندما نتأمل في حياة الناجحين والمؤثرين في مختلف المجالات، نجد أنهم لم يصلوا إلى ما هم عليه بمحض الصدفة أو بضربة حظ عابرة، بل كان نجاحهم نتيجة حتمية لسلسلة من القرارات الواعية والأفعال المدروسة التي اتخذوها في حاضرهم. فالطبيب الماهر الذي يُشار إليه بالبنان اليوم، كان طالباً مجتهداً بالأمس، يقضي ساعات طويلة في دراسة علوم الطب. والكاتب المبدع الذي تتصدر كتبه قوائم الأكثر مبيعاً، كان في يوم ما شخصاً عادياً يتدرب على الكتابة يومياً، ويصقل موهبته بالممارسة المستمرة.
إن العلاقة بين الحاضر والمستقبل ليست مجرد علاقة سببية بسيطة، بل هي نسيج معقد من التفاعلات والتأثيرات المتبادلة. فالحاضر ليس فقط نقطة انطلاق نحو المستقبل، بل هو أيضاً المساحة التي نملك فيها القدرة على التغيير والتأثير. وكما يقول محمد عابد الجابري: "الماضي أشبه بالآتي من الماء بالماء"، فإن ما نزرعه اليوم سنحصده غداً بالضرورة.
في هذا المقال، سنتعمق في فهم العلاقة الوثيقة بين الحاضر والمستقبل، وسنستكشف كيف يمكن لقراراتنا اليومية أن تشكل مسار حياتنا المستقبلية. سنتناول استراتيجيات عملية لبناء مستقبل أفضل من خلال الاستثمار الأمثل في لحظتنا الراهنة، وسنستعرض قصصاً ملهمة لأشخاص استطاعوا تحويل واقعهم وبناء مستقبل مشرق انطلاقاً من حاضرهم، مهما كانت التحديات التي واجهتهم.
دعونا نبدأ رحلتنا في استكشاف كيف يمكننا أن نصنع مستقبلنا من خلال حاضرنا، وكيف يمكن للحظة الراهنة أن تكون بوابتنا نحو الغد الذي نطمح إليه. فإذا أردت أن تعرف أين ستكون غداً، فما عليك سوى أن تنظر بعين الوعي والبصيرة إلى أين أنت اليوم، وما الذي تفعله الآن.
القسم الأول: مفهوم العلاقة بين الحاضر والمستقبل
إن فهم العلاقة بين الحاضر والمستقبل يمثل حجر الزاوية في بناء حياة ذات معنى وهدف. فالحاضر ليس مجرد لحظة عابرة، بل هو الوعاء الذي تتشكل فيه ملامح الغد، والمنصة التي ننطلق منها نحو آفاق المستقبل. تتجلى هذه العلاقة في أبعاد متعددة، فلسفية ونفسية واجتماعية، وكلها تؤكد على أن ما نفعله اليوم هو ما سنكون عليه غداً.
من منظور فلسفي، يعتبر العديد من المفكرين أن الزمن ليس مجرد خط مستقيم يمتد من الماضي عبر الحاضر إلى المستقبل، بل هو نسيج متصل تتداخل فيه هذه الأبعاد بشكل وثيق. فالحاضر يحمل في طياته بذور الماضي، ويشكل في الوقت ذاته تربة المستقبل. وكما أشار الفيلسوف جورج سانتايانا، "أولئك الذين لا يتذكرون الماضي محكوم عليهم بإعادته"، فإن فهمنا لماضينا وتجاربنا السابقة يؤثر بشكل مباشر على قراراتنا الحالية، وبالتالي على مستقبلنا. إن الوعي بهذه الديناميكية يمكننا من استخلاص العبر من الماضي، وتوظيفها في بناء حاضر أفضل، ومن ثم مستقبل أكثر إشراقاً.
أما من الناحية النفسية، فإن إدراكنا لأهمية اللحظة الراهنة يلعب دوراً حاسماً في تشكيل مستقبلنا. فالتركيز على الحاضر، وممارسة اليقظة الذهنية، يمكن أن يساعدنا على اتخاذ قرارات أكثر وعياً وحكمة. عندما نكون حاضرين بكامل وعينا في اللحظة، نكون أقل عرضة للتشتت بفعل ندم الماضي أو قلق المستقبل، وبالتالي نكون أكثر قدرة على استثمار طاقتنا وجهدنا في بناء ما نريده حقاً. يقول الكاتب إيكهارت تول: "الماضي والمستقبل مجرد أوهام، الحقيقة الوحيدة هي اللحظة الحالية". هذا لا يعني تجاهل الماضي أو عدم التخطيط للمستقبل، بل يعني أن القوة الحقيقية للتغيير تكمن في الحاضر.
على الصعيد الاجتماعي، تتجلى العلاقة بين الحاضر والمستقبل في تأثير أفعالنا على مجتمعاتنا وعلى الأجيال القادمة. فكل قرار نتخذه اليوم، سواء كان يتعلق بالبيئة أو الاقتصاد أو التعليم، يترك بصمته على مستقبل مجتمعاتنا. إن الوعي بهذه المسؤولية الاجتماعية يدفعنا إلى التفكير بشكل أعمق في عواقب أفعالنا، والسعي نحو اتخاذ قرارات تخدم المصلحة العامة على المدى الطويل. وكما يقال: "نحن لا نرث الأرض من أسلافنا، بل نستعيرها من أطفالنا". هذا القول يؤكد على أهمية العمل في الحاضر من أجل بناء مستقبل مستدام للأجيال القادمة.
إن إدراك أهمية اللحظة الراهنة في تشكيل المستقبل يتطلب منا وقفة تأمل مع الذات. هل نحن نعيش حاضرنا بوعي ومسؤولية؟ هل نستثمر وقتنا وطاقتنا في بناء ما نطمح إليه؟ هل قراراتنا اليومية تعكس قيمنا وأهدافنا المستقبلية؟ هذه الأسئلة وغيرها يمكن أن تساعدنا على تقييم واقعنا الحالي، واتخاذ خطوات إيجابية نحو المستقبل الذي نريده. فالحاضر هو هبة، والمستقبل هو وعد، وما بينهما يكمن سر الحياة الناجحة والهادفة.
القسم الثاني: كيف تؤثر قرارات اليوم على مسار الغد
إن مقولة "الحاضر يصنع المستقبل" ليست مجرد شعار رنان، بل هي حقيقة راسخة تتجلى في كل تفاصيل حياتنا. فكل قرار نتخذه، وكل عادة نتبناها، وكل خطوة نخطوها في حاضرنا، ترسم ملامح مستقبلنا وتحدد مساره. قد تبدو بعض قراراتنا اليومية بسيطة أو غير ذات أهمية، لكنها في الواقع تتراكم بمرور الوقت لتشكل قوة هائلة توجه حياتنا نحو وجهة معينة، إما نحو النجاح والإنجاز، أو نحو الركود والإخفاق.
تأثير القرارات اليومية الصغيرة على المدى البعيد يشبه تأثير قطرات الماء التي تحفر الصخر. قد لا نرى تأثير قطرة واحدة، لكن بمرور الوقت، تتجمع هذه القطرات لتحدث تغييراً جذرياً. وبالمثل، فإن قرارنا اليومي بقراءة بضع صفحات من كتاب، أو ممارسة الرياضة لمدة نصف ساعة، أو تعلم مهارة جديدة، قد يبدو بسيطاً في حد ذاته، لكنه على المدى الطويل يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً في حياتنا. فالطالب الذي يخصص وقتاً يومياً للمذاكرة، يبني أساساً قوياً لمستقبله الأكاديمي والمهني. والموظف الذي يسعى جاهداً لتطوير مهاراته وتعلم كل ما هو جديد في مجال عمله، يمهد الطريق لترقيته ونجاحه المهني.
تلعب العادات اليومية دوراً محورياً في تشكيل مستقبلنا. فالعادات هي سلوكيات متكررة نقوم بها بشكل تلقائي دون تفكير واعٍ. وهذه العادات، سواء كانت إيجابية أو سلبية، تتراكم بمرور الوقت لتصبح جزءاً لا يتجزأ من شخصيتنا وحياتنا. فإذا كانت عاداتنا إيجابية، مثل الاستيقاظ مبكراً، وتناول الطعام الصحي، وممارسة الرياضة بانتظام، فإنها ستؤدي بنا إلى مستقبل أكثر صحة وسعادة وإنتاجية. أما إذا كانت عاداتنا سلبية، مثل التسويف، وتناول الطعام غير الصحي، وقضاء ساعات طويلة أمام الشاشات، فإنها ستقودنا إلى مستقبل مليء بالمشاكل الصحية والنفسية.
إن التخطيط الواعي للمستقبل انطلاقاً من الحاضر هو مفتاح النجاح. فبدلاً من ترك حياتنا للصدفة والظروف، يجب أن نأخذ زمام المبادرة ونخطط لمستقبلنا بوعي ومسؤولية. يتضمن ذلك تحديد أهداف واضحة وقابلة للقياس، ووضع خطة عمل لتحقيق هذه الأهداف، ثم الالتزام بتنفيذ هذه الخطة يوماً بعد يوم. وكما يقول الكاتب الأمريكي الشهير نابليون هيل: "الهدف هو حلم له موعد نهائي". عندما نحدد أهدافنا بوضوح، ونعمل على تحقيقها بجد واجتهاد في حاضرنا، فإننا نزيد من فرصنا في تحقيق النجاح في المستقبل.
لكي نتخذ قرارات أفضل في الحاضر لضمان مستقبل أفضل، يجب أن نتحلى بالوعي الذاتي والتأمل. يتطلب ذلك أن نفهم قيمنا ومبادئنا، وأن نحدد أولوياتنا في الحياة، وأن نكون صادقين مع أنفسنا بشأن نقاط قوتنا وضعفنا. عندما نكون واعين بذواتنا، نكون أكثر قدرة على اتخاذ قرارات تتماشى مع قيمنا وأهدافنا، وتجنب القرارات التي قد تبعدنا عن المسار الذي نريده. كما أن التأمل في الحاضر، وممارسة الامتنان لما نملكه، يمكن أن يساعدنا على الشعور بالرضا والسعادة، وبالتالي اتخاذ قرارات أكثر إيجابية وتفاؤلاً.
في نهاية المطاف، فإن مستقبلنا ليس شيئاً يحدث لنا، بل هو شيء نصنعه بأيدينا. فكل يوم جديد هو فرصة جديدة لاتخاذ قرارات أفضل، وبناء عادات إيجابية، والعمل بجد واجتهاد نحو تحقيق أحلامنا. وكما قال المهاتما غاندي: "المستقبل يعتمد على ما تفعله اليوم". فلنجعل من حاضرنا لوحة فنية نرسم فيها ملامح مستقبلنا المشرق.
القسم الثالث: استراتيجيات لبناء مستقبل أفضل من خلال الحاضر
إن إدراكنا لأهمية الحاضر في صناعة المستقبل هو الخطوة الأولى نحو حياة أكثر نجاحاً وتحقيقاً. ولكن كيف يمكننا ترجمة هذا الوعي إلى أفعال ملموسة واستراتيجيات عملية تمكننا من بناء المستقبل الذي نطمح إليه؟ في هذا القسم، سنستعرض مجموعة من الاستراتيجيات الفعالة التي يمكننا تبنيها في حاضرنا لضمان مستقبل أفضل وأكثر إشراقاً.
أولاً، تحديد الأهداف بوضوح والعمل عليها يومياً. لا يمكننا أن نبني مستقبلاً عظيماً دون أن نعرف ما الذي نريد تحقيقه. لذا، يجب أن نبدأ بتحديد أهداف واضحة ومحددة وقابلة للقياس وذات صلة ومحددة زمنياً (أهداف SMART). بعد تحديد الأهداف، يجب أن نقوم بتقسيمها إلى مهام صغيرة يمكننا العمل عليها بشكل يومي. هذا النهج يجعل الأهداف الكبيرة تبدو أقل صعوبة وأكثر قابلية للتحقيق، ويساعدنا على الحفاظ على حماسنا وتركيزنا على المدى الطويل. تذكر أن "رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة"، وكل خطوة صغيرة نخطوها اليوم تقربنا من تحقيق أهدافنا المستقبلية.
ثانياً، أهمية الاستثمار في الذات من خلال التعلم المستمر. في عالم يتغير بسرعة، يعتبر التعلم المستمر ضرورة وليس ترفاً. يجب أن نسعى دائماً لتطوير مهاراتنا ومعارفنا، سواء من خلال القراءة أو حضور الدورات التدريبية أو تعلم لغات جديدة أو اكتساب خبرات جديدة. كلما استثمرنا في أنفسنا اليوم، كلما زادت فرصنا في النجاح والتميز في المستقبل. فالشخص الذي يتوقف عن التعلم يتوقف عن النمو، وبالتالي يفوت على نفسه فرصاً لا حصر لها.
ثالثاً، بناء العلاقات الإيجابية وتأثيرها على المستقبل. نحن كائنات اجتماعية بطبعنا، وعلاقاتنا مع الآخرين تلعب دوراً حاسماً في حياتنا. يجب أن نسعى لبناء علاقات إيجابية وداعمة مع الأشخاص الذين يشاركوننا قيمنا وأهدافنا، والذين يلهموننا ويشجعوننا على النمو والتطور. هذه العلاقات يمكن أن تكون مصدراً للدعم والتشجيع في الأوقات الصعبة، ويمكن أن تفتح لنا أبواباً لفرص جديدة في المستقبل. كما يجب أن نتجنب العلاقات السلبية التي تستنزف طاقتنا وتعيق تقدمنا.
رابعاً، إدارة الوقت بفعالية كمفتاح لمستقبل ناجح. الوقت هو أثمن مورد نملكه، وكيفية إدارتنا لوقتنا تحدد بشكل كبير مدى نجاحنا في تحقيق أهدافنا. يجب أن نتعلم كيفية تحديد أولوياتنا، وتنظيم مهامنا، وتجنب المشتتات، واستغلال وقتنا بأقصى قدر ممكن. هناك العديد من الأدوات والتقنيات التي يمكن أن تساعدنا على إدارة وقتنا بفعالية، مثل قائمة المهام، وتقنية البومودورو، ومصفوفة أيزنهاور. عندما نتقن فن إدارة الوقت، نصبح أكثر إنتاجية وفعالية، وبالتالي نكون أكثر قدرة على بناء المستقبل الذي نريده.
خامساً، التوازن بين التخطيط للمستقبل والعيش في الحاضر. في حين أن التخطيط للمستقبل أمر ضروري، يجب ألا نغفل عن أهمية العيش في الحاضر والاستمتاع باللحظة الراهنة. فالإفراط في التفكير في المستقبل يمكن أن يؤدي إلى القلق والتوتر، ويجعلنا نفوت على أنفسنا جمال اللحظة الحالية. يجب أن نسعى لتحقيق توازن صحي بين التخطيط للمستقبل والعيش في الحاضر، وأن نتذكر أن السعادة الحقيقية تكمن في الرحلة وليس فقط في الوجهة.
سادساً، كيفية تحويل التحديات الحالية إلى فرص مستقبلية. الحياة مليئة بالتحديات والصعوبات، ولكن كيفية تعاملنا مع هذه التحديات هي التي تحدد مدى نجاحنا في تجاوزها وتحويلها إلى فرص للنمو والتطور. بدلاً من الاستسلام للتحديات، يجب أن ننظر إليها كفرص لتعلم دروس جديدة، واكتساب خبرات قيمة، وتطوير قدراتنا على التكيف والمرونة. كل تحدٍ نتغلب عليه اليوم يجعلنا أقوى وأكثر استعداداً لمواجهة تحديات المستقبل.
إن تبني هذه الاستراتيجيات في حاضرنا يمكن أن يساعدنا على بناء مستقبل أفضل وأكثر إشراقاً. فالأمر لا يتعلق فقط بالأحلام والتطلعات، بل يتعلق بالعمل الجاد والمثابرة والالتزام بتحقيق أهدافنا يوماً بعد يوم. وكما يقول المثل الصيني: "أفضل وقت لزراعة شجرة كان قبل عشرين عاماً. ثاني أفضل وقت هو الآن". فلنبدأ اليوم في زراعة بذور مستقبلنا.
القسم الرابع: تجارب وقصص ملهمة
إن الكلمات والنظريات حول أهمية الحاضر في صناعة المستقبل تكتسب قوة أكبر عندما نرى تجسيدها في قصص واقعية لأشخاص استطاعوا، من خلال قراراتهم وأفعالهم في حاضرهم، أن يرسموا ملامح مستقبل باهر. هذه القصص ليست مجرد حكايات عابرة، بل هي دروس ملهمة تعلمنا أن الإرادة والعزيمة والعمل الجاد يمكن أن يحولوا الأحلام إلى حقائق، وأن التحديات يمكن أن تصبح جسوراً نحو النجاح.
من بين هذه القصص الملهمة، تبرز قصة حسناء من سوريا، التي نقلناها سابقاً. حسناء، التي واجهت ويلات الحرب والتهجير والاعتقال، لم تستسلم لظروفها القاسية. بل اتخذت من حاضرها المؤلم نقطة انطلاق نحو مستقبل أفضل. عملت بجد لإعالة أسرتها، وتطوعت لمساعدة النساء الأخريات، وسعت لتطوير ذاتها واكتساب مهارات جديدة. قصتها تعلمنا أن الإرادة الإنسانية قادرة على قهر أقسى الظروف، وأن الأمل يمكن أن يولد من رحم المعاناة. إن قرار حسناء بالعمل والمثابرة في حاضرها المظلم هو ما صنع لها مستقبلاً أكثر إشراقاً، وجعلها نموذجاً يحتذى به في القوة والصمود.
قصة أخرى تجسد قوة الحاضر في صناعة المستقبل هي قصة رجل الأعمال الأمريكي مايكل روبن. بدأ روبن رحلته نحو النجاح في سن مبكرة جداً، حيث كان يبيع بذور الخضروات في حيه وهو في الثامنة من عمره. لم يكن طريقه مفروشاً بالورود، بل واجه تحديات وديوناً كادت أن تقضي على تجارته الناشئة. لكنه لم يستسلم، بل تعلم من أخطائه، واستمر في العمل بجد واجتهاد. قراراته اليومية، مثل شراء وبيع معدات التزلج، وتأسيس شركته الخاصة، والتوسع في مجال التجارة الإلكترونية، هي التي قادته ليصبح مليارديراً وصاحب إمبراطورية تجارية ضخمة. قصة روبن تعلمنا أن النجاح لا يأتي صدفة، بل هو نتيجة للعمل الدؤوب والمثابرة والإيمان بالذات، وأن البدايات المتواضعة يمكن أن تؤدي إلى نهايات عظيمة إذا ما استثمرنا حاضرنا بشكل صحيح.
وإذا نظرنا إلى صفحات التاريخ، سنجد العديد من الشخصيات التاريخية التي غيرت مسار حياتها ومسار مجتمعاتها من خلال قرارات حاسمة اتخذتها في حاضرها. نيلسون مانديلا، الذي قضى 27 عاماً في السجن، لم يستسلم لليأس، بل استغل وقته في القراءة والتفكير والتخطيط لمستقبل جنوب أفريقيا. قراره بالعفو والمصالحة بعد إطلاق سراحه هو ما مهد الطريق لإنهاء نظام الفصل العنصري وبناء دولة ديمقراطية. ماري كوري، التي واجهت التمييز لكونها امرأة في مجال العلوم، لم تتخل عن شغفها بالبحث العلمي. عملت بجد في مختبرها المتواضع، واكتشفت عناصر جديدة، وأصبحت أول امرأة تحصل على جائزة نوبل، وأول شخص يحصل على جائزتي نوبل في مجالين مختلفين. هذه الشخصيات وغيرها تعلمنا أن القرارات التي نتخذها في حاضرنا، حتى لو كانت صعبة أو محفوفة بالمخاطر، يمكن أن يكون لها تأثير عميق على مستقبلنا ومستقبل العالم من حولنا.
الدروس المستفادة من هذه القصص وكيفية تطبيقها في حياتنا اليومية واضحة وجلية. أولاً، يجب أن نؤمن بقدرتنا على التغيير وصناعة مستقبلنا، بغض النظر عن ظروفنا الحالية. ثانياً، يجب أن نتحلى بالإرادة والعزيمة والمثابرة، وأن لا نستسلم للتحديات والصعوبات. ثالثاً، يجب أن نعمل بجد واجتهاد، وأن نستثمر وقتنا وطاقتنا في بناء ما نطمح إليه. رابعاً، يجب أن نتعلم من أخطائنا، وأن نسعى دائماً للتطور والتحسين. خامساً، يجب أن نكون واعين بقراراتنا اليومية، وأن نتأكد من أنها تتماشى مع قيمنا وأهدافنا المستقبلية.
إن هذه القصص الملهمة ليست مجرد حكايات للتسلية، بل هي دعوة لنا جميعاً لكي نأخذ زمام المبادرة، ونبدأ اليوم في صناعة مستقبلنا. فكل واحد منا يملك القدرة على أن يكون بطل قصته، وأن يحقق أحلامه وطموحاته، إذا ما آمن بنفسه، وعمل بجد في حاضره.
الخاتمة: الحاضر بين يديك، والمستقبل ينتظرك
في ختام رحلتنا عبر دروب العلاقة الوثيقة بين الحاضر والمستقبل، نعود إلى النقطة التي انطلقنا منها: "إذا أردت أن تعرف أين ستكون غداً فانظر أين أنت اليوم". هذه الحكمة البليغة ليست مجرد قول مأثور، بل هي قانون كوني يحكم مسار حياتنا، ويؤكد على أننا نحن من نصنع مستقبلنا بأفعالنا وقراراتنا في اللحظة الراهنة.
لقد استعرضنا في هذا المقال كيف أن الحاضر ليس مجرد نقطة زمنية عابرة، بل هو الوعاء الذي تتشكل فيه ملامح الغد. وتناولنا كيف أن قراراتنا اليومية، مهما بدت بسيطة، تتراكم بمرور الوقت لتصبح قوة هائلة توجه حياتنا نحو وجهة معينة. كما استعرضنا استراتيجيات عملية لبناء مستقبل أفضل من خلال الاستثمار الأمثل في حاضرنا، واستلهمنا من قصص نجاح واقعية لأشخاص استطاعوا تحويل واقعهم وبناء مستقبل مشرق انطلاقاً من حاضرهم.
إن الرسالة الأساسية التي نود أن نؤكد عليها هي أن المستقبل ليس قدراً محتوماً ينتظرنا، بل هو نتيجة حتمية لما نفعله اليوم. فكل فكرة نزرعها في عقولنا، وكل عادة نتبناها في سلوكنا، وكل خطوة نخطوها في طريقنا، تترك بصمتها على مستقبلنا. لذا، يجب أن نتحمل مسؤولية حاضرنا، وأن نكون واعين بقراراتنا وأفعالنا، وأن نسعى دائماً لأن نجعل من لحظتنا الراهنة أفضل ما يمكن أن تكون.
لا تدع الماضي يعيقك، ولا تجعل المستقبل يقلقك. ركز على الحاضر، فهو المساحة الوحيدة التي تملك فيها القدرة على التغيير والتأثير. استثمر في نفسك، وطور مهاراتك، وابنِ علاقات إيجابية، واعمل بجد واجتهاد نحو تحقيق أحلامك. تذكر أن كل يوم جديد هو فرصة جديدة لكي تبدأ من جديد، ولكي تصنع مستقبلاً أفضل لنفسك ولمن حولك.
إن الحاضر بين يديك، والمستقبل ينتظرك. فماذا ستفعل اليوم لكي تجعل من غدك أفضل؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا كل يوم. والإجابة على هذا السؤال تكمن في أفعالنا وقراراتنا في اللحظة الراهنة. فلنجعل من حاضرنا لوحة فنية نرسم فيها ملامح مستقبلنا المشرق، ولنجعل من حياتنا قصة نجاح تلهم الآخرين.
تذكر دائماً: أنت مهندس مستقبلك، وحاضرك هو أدواتك. فاستخدمها بحكمة، وابنِ صرحاً شامخاً يليق بأحلامك وطموحاتك.
أضف تعليقاً: